التدمير المزعزع

في قطاع غزة، لم يكن التدمير (المستمر حتى اللحظة) مجرد انهيار مبانٍ أو انقطاع خدمات أو تجريف طرق وقطع أشجار، بل نشهد نوعًا جديدًا من الدمار الشامل الذي أربك جميع جوانب الحياة، وغيّر نمط المعيشة، السكن، المأكل، الملبس، الخدمات، الاقتصاد، الحركة، والسلوك، بشكل غير مسبوق، ليضع صناع القرار أمام تحديات هائلة. ولهذا يمكننا وصف هذا الدمار بـ “التدمير المزعزع” أو إن شئت قل “التدمير التحويلي“ .
أقتبس هذا المفهوم “التدمير المزعزع” من مفهوم الابتكار المزعزع “Disruptive Innovation” الذيي يغير النماذج التقليدية ويقدم خدمات ومنتجات جديد، ويخلق أسواقا جديدة كما هو معلوم في سياق إدارة الأعمال والريادة.
هذا التعبير، ليس لمجرد التفصيل في عمق الضرر والأثر، وإنما لاستنهاض الهمة في أن يكون هذا التدمير مزعزعًا للمخططين في مختلف المجالات، في المرحلة القريبة القادمة إن شاء الله من الاستقرار وإعادة الإعمار، يستنهض همتهم وقدراتهم في زعزعة النماذج التقليدية المتعارف عليها في تصميم وتنفيذ المرافق والمنازل وطبيعة الأعمال والخدمات، وتقديم استراتيجيات وحلول مبتكرة ومرنة في التخطيط لإعادة الإعمار، فإعادة البناء كما كانت لن تكون كافية، بل علينا تبني مبادئ جديدة تتماشى مع الواقع المعقد لقطاع غزة.
وكما تشير الهيئات الدولية إلى المبادئ التي تعتمدها في التمويل، مثل “عدم ترك أحد خلف الركب Leave No One Behind” الذي يضمن أن إعادة الإعمار تشمل جميع الفئات، وخاصة الأكثر هشاشة، ومبدأ “إعادة البناء بشكل أفضل Build Back Better” لاعتماد تصاميم تأخذ في الاعتبار الاستدامة والتكنولوجيا، ومؤخرا النظرة الأكثر شمولية وطموحا بتبني مبدأ “البناء نحو مستقبل أفضل Build Forward Better“، وهو رؤية تتجاوز إعادة الإعمار إلى التخطيط لمستقبل قائم على المرونة والتكيف مع التحديات، وامتدادا لهذا السياق نحتاج فعلا إلى ما هو أبعد من مجرد التفكير الجزئي، بل التفكير الشامل.
التخطيط أو الابتكار أو التفكير المزعزع هو ما نحتاجه الآن، ليكون ركيزة إعادة الإعمار، مع الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة المعقدة لقطاع غزة من حيث تعداد السكان، الكثافة السكانية، والموارد المحدودة، والحصار المطبق برا وبحرا وجوا.
علينا أن نزعزع بتفكيرنا الأنماط التقليدية، ونبني مدنًا ومشاريع وخدمات تعتمد على الاستدامة، البساطة (Minimalism)، والابتكار، والمرونة، والاستدامة، والتخطيط المترابط (Nexus Strategies) الذي يربط بين القطاعات المختلفة.
لقد أثبتت الأزمة الحالية أن غزة بحاجة إلى مشاريع مستدامة تعتمد على الطاقة المتجددة، ومدن ذكية تعتمد على التكنولوجيا، مع الأخذ في الاعتبار النمو السكاني وتركيبة المجتمع. فقد أصبحت الطاقة الشمسية، التي اعتبرها البعض ترفًا في يوم من الأيام، طوق النجاة في هذه الأزمة، واعتماد التكنولوجيا في التعليم وتقنيات العمل عن بعد قد ساعد في معالجة أزمات الكثير من الشباب، وكذلك اعتماد تطبيقات المعاملات المالية، كلها لم تكن ذات أهمية كبيرة في حياتنا بقدر ما شعرنا بأهميتها في عمق الأزمة.
نريد تعليمًا نموذجيا غير تقليدي ويتجاوز العقبات ويؤمن بالنهضة الفكرية والتقنية ويؤسس لمرحلة جديدة من اعتماد التقنية، وريادة أعمال تفتح أسواقًا جديدة، وصناعات مستجيبة لاحتياجات المجتمع وقادرة على النهوض وتوفير البدائل، وسيارات كهرببائية، وواجهة بحرية ممتدة متكاملة، ومواصلات عامة سهلة وبسيطة ومريحة، وخدمات مميزة، وأرصفة ومساحاة للمشي، ونريد أشجار في كل مكان، ونريد إحياء فكرة السياحة الداخلية والاهتمام أكثر بترميم المعالم وجعلها وجهة للناس وليس مجرد الترميم، ونريد الكثير، فالدروس التي تعلمناها في هذه الأزمة يجدر أن لا تمر دون فائدة.
نريد الكثير، ليس كما كان، بل بصورة أفضل وأكثر كفاءة وأعمق أثرًا، ونحن على يقين أننا نستطيع بإذن الله.
An has alterum nominavi. Nam at elitr veritus voluptaria. Cu eum regione tacimates vituperatoribus, ut mutat delenit est.
An has alterum nominavi. Nam at elitr veritus voluptaria. Cu eum regione tacimates vituperatoribus, ut mutat delenit est.
Comments are closed.